من حصار إلى حصار ومن قمة إلى قمة!!...

زائر

من حصار إلى حصار ومن قمة إلى قمة!!
نحو عشرين عاماً تفصل بين قمة بيروت التي ستنعقد بعد ستة أيام وقمة «فاس» الثانية التي انعقدت في هذه المدينة المغربية التاريخية في خريف عام 1982، لكن ورغم مرور عقدين من الزمن كانا حافلين بالأحداث والتطورات الكبرى، في منطقتنا وفي العالم، فإن الصورة تبدو وكأنها نفسها لم تتغير وكأن التاريخ تجمد عند تلك اللحظة البعيدة.
في سبتمبر (أيلول) 1982 كان أبو عمار قد غادر بيروت تواً ليبدأ رحلة المنافي الجديدة بعد حصار دام نحو ثلاثة شهور. وكان الموقف العربي، الرسمي والشعبي، يشبه الموقف الحالي، وقبل ان يصل الرئيس الفلسطيني، الذي خرج من العاصمة اللبنانية تحرسه قطع بحرية أميركية وفرنسية ويونانية، إلى «فاس» توقف لليلة واحدة في اثينا ولبضع ليال في تونس التي أصبحت قاعدة له لعشرة أعوام.
وصل أبو عمار إلى «فاس» ليجد في استقباله كل الملوك والقادة العرب باستثناء الرئيس السوري السابق حافظ الأسد رحمه الله الذي كان على خلاف مع القيادة الفلسطينية من أسبابه اشكالات الغزو الاسرائيلي للبنان وأشياء اخرى كثيرة. ولقد بدا ياسر عرفات وهو يستعرض حرس الشرف المغربي برفقة الحسن الثاني الذي استقبله عند سلم الطائرة مرفوع الرأس وكأنه حقق خلال حصار بيروت والغزو الاسرائيلي للبنان ما لم يستطعه جميع الذين كانوا في انتظاره.
كأن الصورة هي ذاتها ولم تمر كل هذه الأعوام الحافلة بالتطورات والأحداث، فالرئيس الفلسطيني يأتي الى قمة العرب هذه المرة ايضاً، هذا اذا استطاع المجيء، بعد مواجهة حياة أو موت مع شارون نفسه، وأغلب الظن أن قادة الأمة العربية سيستقبلون القادم من تحت الحصار، وإن في مكان اقامتهم وليس في مطار بيروت بنفس «لهفة!!» استقبالهم له في مطار «فاس» قبل أقل من عشرين عاماً بشهور فقط.
قبل عام واحد فقط من قمة «فاس» الثانية التي اتخذت تلك القرارات التاريخية الشهيرة حالت «ديكتاتورية» الجغرافيا السياسية دون أن يمارس ياسر عرفات مرونته المعهودة ويوافق على مبادرة الملك فهد بن عبد العزيز التي كان طرحها عندما كان ولياً للعهد، فعاد الى بيروت التي كانت تأكلها الحرائق، ليبشر بالغزو الاسرائيلي الذي وقع في العام التالي والذي افلح في اقتلاعه من حصنه الحصين وفي تدمير «جمهورية الفاكهاني» مع أنه لم يفلح، بل أخفق اخفاقاً ذريعاً، في تدمير البنية التحتية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
إن صورة اليوم تشبه صورة الأمس، رغم المسافة الزمنية التي تبلغ نحو عقدين من الأعوام، فالرئيس الفلسطيني يأتي الى القمة الجديدة، هذا اذا استطاع المجيء، وهناك مبادرة سعودية هي مبادرة الأمير عبد الله بن عبد العزيز التي ستكون الموضوع السياسي الأساسي لهذه القمة كما كانت مبادرة الملك فهد بن عبد العزيز الموضوع الاساسي لقمة فاس الثانية، كما انه (ابو عمار) يأتي الى قمة بيروت وهناك تحول في الموقف الاميركي تمثل في تبني واشنطن لقرار مجلس الأمن الدولي الأخير الذي نص على ضرورة اقامة دولة فلسطينية الى جانب الدولة الاسرائيلية، كما كان أتى الى قمة «فاس» الثانية بينما اعلن الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان مشروعه الشهير الذي اعتبر موقفاً اميركياً متقدماً قياساً بالمواقف السابقة المتعلقة بالسعي لايجاد حل مقبول لقضية الشرق الأوسط.
هناك من يقول ان رفض ابو عمار لتوجهات قمة «فاس» الأولى تحت ضغط «ديكتاتورية الجغرافيا» ومعادلات الساحتين الفلسطينية واللبنانية في ذلك الحين، استغل من قبل الاسرائيليين ومن قبل الولايات المتحدة ممثلة بوزير خارجيتها الاسبق الجنرال الكسندر هيغ لتنفيذ غزو عام 1982 الذي انعقدت قمة «فاس» الثانية بعده بثلاثة شهور، وهناك من يقول الآن انه لو كان الرئيس الفلسطيني اكثر مرونة ازاء ما عرضه الاسرائيليون في كامب ديفيد الثانية فلما كانت تطورات الشهور الثمانية عشر الماضية ولما كان هذا الحصار الجديد ولما كانت كل هذه الأحداث الجسيمة.
عندما كان ياسر عرفات تحت الحصار السابق ظن كثيرون، عرباً وفلسطينيين، ان نهاية هذا الرجل قد أصبحت تحصيل حاصل فعرضت بعض العواصم العربية بترحيب وتأييد عدد من القادة الفلسطينيين ضرورة ايجاد قيادة فلسطينية بديلة بحجة ان قيادة ابو عمار المحاصرة لم تعد تسيطر على قرارها وبدعوى أن منظمة التحرير شاخت واصبحت بحاجة الى دماء جديدة.
وهنا وعندما نقارن اليوم بالأمس نجد أن كثيرين، عرباً وفلسطينيين، طرحوا في لحظة من لحظات الحصار الأخير وبينما كانت الدبابات الاسرائيلية تسد منافذ المقر الرئيسي الفلسطيني في رام الله، ضرورة استجابة أبو عمار لدعوات تنحيته واستقالته التي دأب شارون على اطلاقها في تناغم مثير للدهشة والاستغراب مع ما كان يطرحه ويتحدث به بعض كبار المسؤولين الاميركيين ومع ما كان يتحدث به بعض العرب وبعض الفلسطينيين احياناً في السر واحياناً في العلن.
كان عرفات طوال الحصار السابق، الذي اعقب الغزو الاسرائيلي للبنان في عام 1982، يردد انه كعنقاء الأسطورة اليونانية المعروفة التي كانت تخرج حية من الرماد بعد كل مرة تحرق فيها، ولقد بقي يردد هذه الاسطورة ذاتها خلال شهور الحصار الاخيرة ثم يزيد عليها انه مع شعبه سيبقى يقاتل ويصمد في ممر «الماراثون» الى ان تفيق الأمة العربية من السبات الذي تغط فيه.
ما اشبه الليلة بالبارحة، فكما حولت قمة «فاس» الثانية مبادرة الملك فهد الى خطة عربية للذهاب الى منتصف الطريق للالتقاء مع مبادرة ريغان فإن الجهد العربي المبذول حالياً يعزز القناعة بأن قمة بيروت ستحول مبادرة الأمير عبد الله بن عبد العزيز الى خطة عربية لاستثمار الأوضاع الدولية المستجدة المتمثلة اساساً في التحرك الأميركي الجديد، الذي يبدو أنه جدي هذه المرة، وفي قرار مجلس الأمن الدولي الأخير المتعلق بإقامة دولة فلسطينية وفي المواقف والقرارات التي اتخذتها دول الاتحاد الأوروبي.
لقد وضعت مبادرة الملك فهد التي تحولت الى خطة اعتراضية عربية في قمة «فاس» الثانية سلاحاً فعالاً في ايدي الفلسطينيين يواجهون به مرحلة ما بعد حصار بيروت، والمنتظر بل المؤكد ان يحول العرب، في قمة بيروت، مبادرة الأمير عبد الله بن عبد العزيز الى خطة اعتراضية تضع في أيدي الفلسطينيين سلاحاً فعالاً يواجهون به محاولات وضعهم على رصيف الإرهاب العالمي الى جانب أسامة بن لادن و«القاعدة» وحركة «طالبان».
خرج ياسر عرفات من بيروت وجروحه راعفة وهو يواجه مرحلة نفي جديدة رغم الانتصار المعنوي الذي حققه بصموده لنحو ثلاثة شهور أمام شارون الذي كما هو الآن يقود جيشاً من اقوى جيوش العالم والمدعوم بكل امكانيات الولايات المتحدة، لذلك ولولا أن قمة «فاس» الثانية حولت مبادرة الملك فهد الى خطة اعتراضية لواجه الفلسطينيون ظروفاً اقسى وأصعب من الظروف التي واجهوها خلال الأعوام العشرة اللاحقة.
والآن فإن عرفات، حتى بعد كل هذا الصمود الذي يتميز على صمود بيروت بأنه فوق الأرض الفلسطينية ويستند الى الشعب الفلسطيني بمعظمه، بحاجة الى خطة عربية اعتراضية لمواجهة كل استحقاقات ما بعد الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) ولمحاصرة الألاعيب والمناورات الاسرائيلية التي هدفها استيعاب وتنفيس الاندفاعة الأوروبية والأميركية الجديدة لاقامة الدولة الفلسطينية الى جانب دولة اسرائيل تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي الأخير رقم 1397.
عندما انعقدت قمة «فاس» الثانية في منتصف سبتمبر (ايلول) عام 1982 كان امامها، بالاضافة الى ياسر عرفات الخارج من الحصار وبالاضافة الى القضية الفلسطينية ومبادرة الملك فهد ومشروع ريغان الذي اعلنه والرئيس الفلسطيني تنقله الى المجهول سفن النفي الجديد، الحرب العراقية ـ الايرانية المتأججة، وهذه المرة ايضاً ستجد القمة العربية عندما تنعقد في بيروت امامها مشكلة العراق و«الحالة العراقية ـ الكويتية».
في ذلك الحين أي عندما انعقدت قمة «فاس» الثانية كان صدام حسين يتيه طرباً في نشوة تفوقه العسكري على الامام الخميني وكان يشعر ان العرب بحاجة اليه اكثر مما هو بحاجة اليهم، ولقد كان كل ذلك دعماً لعرفات وسنداً له خلال تلك القمة وفي الاعوام العشرة اللاحقة. اما في قمة بيروت فإن الوضع سيكون مختلفاً وسيجد الرئيس الفلسطيني، هذا اذا تمكن من حضور هذه القمة، ان عليه ان يتنقل بحذر شديد في حقل الالغام العربي حتى لا ينفجر به احد هذه الألغام.
من حصار الى حصار ومن قمة الى قمة وها هو عرفات يعود الى بيروت، سواء حضر قمتها أم لم يحضر وأغلب الظن أنه سيحضر، ليؤكد انه فعلاً كطائر «العنقاء» الذي يخرج مرة بعد مرة من الرماد بعد كل مرة يحرق فيها.. واذا كانت «فاس» الثانية وقفة عند المنعطف فإن بيروت ستكون الخطوة الأخيرة قبل الوصول الى نهاية النفق المظلم.

زائر

يسلمووووووووووووووو

زائر

يسلمووووووووووووو اللك على موضوع بجد موضوع حلو اكتير

زائر

يسلموووو على المرور الحلو

زائر

يسلموو

زائر

روووووعة

تحياتى